“طوفان الأقصى” والقمة “المؤجلة” بين العرب

“طوفان الأقصى” والقمة “المؤجلة” بين العرب
(اخر تعديل 2023-11-22 06:14:58 )
بواسطة

الإعلان ” المفاجئ” عن تأجيل القمة العربية الأفريقية الخامسة للمرة الثالثة- ولأجل غير مسمى بسبب الأحداث في غزة، وبعد فترة إعداد مطول لها، وتأجيل مرتين ” 2019، ثم 2020 بسبب كورونا” -يطرح تساؤلات عدة عن الأسباب الكامنة وراء هذا التأجيل.

فحرب غزة، أحد تجليات الصراع العربي- الإسرائيلي الذي كان سببًا في حدوث التقارب العربي- الأفريقي بعد وقوف معظم دول القارة بجانب العرب في حرب 1973، وقطعها العلاقات مع إسرائيل، وما تلا ذلك من الحديث عن وَحدة المصير العربي- الأفريقي في مواجهة الاستعمار الذي كان حينئذٍ جاثمًا على صدور بعض هذه الدول، فضلًا عن الاحتلال الإسرائيلي لبعض أجزاء من الدول العربية، وكان من نتيجة ذلك عقد القمة العربية- الأفريقية التي التأمت للمرة الأولى في القاهرة عام 1977، بمشاركة أكثر من 60 دولةً، وخروج بيانها الختامي الذي سمي، آنذاك، بإعلان القاهرة، لينصَّ على دعم نضال شعوب: فلسطين، وزيمبابوي، وجنوب أفريقيا، والصومال، وجزر القمر؛ لنيل حريتها واستقلالها، وبالفعل نالت هذه الدول الأفريقية استقلالها، وبقيت فلسطين على حالها.

فكيف- إذن- تؤجل القمة الخامسة بسبب قضية فلسطين التي كانت سببًا في وجود هذه القمم بالأساس! وهل حرب غزة تستدعي التأجيل وتجاهل العرب أكبر كتلة أفريقية تصويتية في العالم”54 دولة”، بدلًا من دعم العلاقات بين كيانين يمثلان كتلة تصويتية هامة “64 دولة”، ويمتلكان إمكانات اقتصادية وبشرية هائلة، يمكن استخدامها في مواجهة الغرب الداعم بقوّة لإسرائيل! أم أن الخوف من عدم الاتفاق على صيغة بيان ختامي في ظل خلافات عربية -عربية ظهرت بشأن غزة قبل القمة من ناحية، مقابل خلافات أفريقية مماثلة، جعلت الإرجاء هو الخيار المفضل، ضاربة بالمنافع عُرض الحائط، التي يمكن أن يجنيها كلا الجانبَين من عقدها.

هل ستظل “البوليساريو” حجر عثرة في عدم إحداث هذا التقارب العربي- الأفريقي، ولماذا لم تشكل عقبة في القمة الثالثة التي استضافتها الكويت 2013! وهل يمكن التوصل لصيغةٍ ما تساهم في تجاوز هذه القضية؟

التأجيل والخلافات العربية- العربية

يمكن القول: إن حرب غزة في السابع من أكتوبر الماضي، كشفت عن تباينات عربية عميقة في التعامل معها بين مجموعة الدول الرافضة للتطبيع والأخرى المؤيدة له؛ ما تسبب ليس فقط في تأجيل عقد القمة العربية- الأفريقية المقررة في نوفمبر، وإنما في عدم عقد القمة العربية الاستثنائية بالرياض، واضطرار” الدولة المضيفة”، لإلغائها بصورة مفاجئة عشية الموعد المحدد لها، ودمجها مع القمة الإسلامية، لتعقد قمة مشتركة عربية إسلامية مفاجئة أيضًا وغير متوقعة، أسفرت عن بيان ختامي يفتقد لجوانب عملية ملموسة تساهم في دعم سكان غزة عبر دخول المساعدات إليهم بصورة فورية، وردع إسرائيل حتى تضطر لوقف إطلاق النار.

هذا الإلغاء للقمة العربية، وتأجيل القمة العربية- الأفريقية، تقف وراءه مجموعة من الأسباب، لعل أبرزها ما تردد عن عجز وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم التحضيري للقمة، عن التوصل لاتفاق حول البيان الختامي، بعد اقتراح بعض الدول الرافضة للتطبيع- وهي: قطر، والكويت، وعمان، وليبيا، وفلسطين، واليمن، والجزائر، وتونس، وسوريا، والعراق، ولبنان- مشروع قرار يتضمن تصعيدًا وتهديدًا بقطع إمدادات النفط عن إسرائيل وحلفائها الغربيين، وقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية معها، ووَفق بعض المصادر العربية، تضمّنت أهم المقترحات المرفوضة والتي قدمت بصورة خطيّة، ما يلي:

  • منع استخدام القواعد العسكرية الأميركية وغيرها في الدول العربية لتزويد إسرائيل بالسلاح والذخائر.
  • تجميد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية العربية مع إسرائيل.
  • التلويح باستخدام النفط والمقدرات الاقتصادية العربية للضغط على تل أبيب لوقف العدوان.
  • منع الطيران المدني الإسرائيلي من التحليق في الأجواء العربية.
  • تشكيل لجنة عربية على المستوى الوزاري تسافر فورًا إلى نيويورك، وواشنطن، وبروكسل، وجنيف، ولندن، وباريس، لنقل طلب القمة العربية بضرورة الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي على غزة.
  • لكن الدول المؤيدة للتطبيع رفضت هذه المقترحات، وإزاء هذا التباين ألغيت القمة العربية الاستثنائية، ومن قبلها تم تأجيل القمة الأفريقية في ظلّ هذا التباين بشأن الحرب على غزة.

    “البوليساريو” والخلافات العربية – الأفريقية

    ربما ساهم في تعميق الخلافات العربية – العربية، وتأجيل قمتِهم مع الأفارقة، عدم وجود موقف عربي واحد بشأن تمثيل “البوليساريو أو ما يعرف بالجمهورية الصحراوية ” في هذه القمة، فلا يزال هناك محوران عربيان منقسمان حول هذه القضية، الأول يضم كلًا من: السعودية، والإمارات، والبحرين، وقطر، وعمان، والأردن، واليمن، والصومال، والكويت، وهو مؤيد لموقف المغرب، من عدم الاعتراف بدولة “البوليساريو”، التي لا تعترف بها أيضًا الأمم المتحدة، والجامعة العربية، مقابل الطرف الآخر- الذي تقوده الجزائر- ويعترف بها كدولةٍ عضوٍ في الاتحاد الأفريقي، ومن قبله منظمة الوحدة الأفريقية.

    ومن ثَم تردَّد أنّ السعودية أرجأت القمة لهذا السبب، خاصةً في ظل وجود دعم أفريقي تقوده جنوب أفريقيا يصبّ في اتجاه حضور “البوليساريو”، مقابل رفض الرياض وغيرها من الدول العربية له. ولعل الموقف السعودي استفاد من الأجواء التي سادت خلال القمة العربية- الأفريقية الرابعة التي استضافتها غينيا الاستوائية عام 2016، حيث فشلت القمة بسبب تمثيل “البوليساريو”، واضطرار 8 دول عربية لمغادرتها قبل انتهائها.

    لكن يبقى السؤال: هل ستظل “البوليساريو” حجر عثرة في عدم إحداث هذا التقارب العربي- الأفريقي، ولماذا لم تشكل عقبة في القمة الثالثة التي استضافتها الكويت 2013! وهل يمكن التوصل لصيغةٍ ما تساهم في تجاوز هذه القضية؟

    الأفارقة و”طوفان الأقصى”

    لكن في المقابل لا يمكن الركون إلى الخلافات العربية -العربية فقط، لتفسير إرجاء القمة العربية- الأفريقية، إذ يقابلها أيضًا تباينات أفريقية، بشأن عملية “طوفان الأقصى”، ودعم الطرف الفلسطينيّ أو الإسرائيلي، ساهمت في أن تكون فكرة الإرجاء بمثابة الخيار الأفضل، ولو لفترة مؤقتة، فرغم صدور بيان من رئيس المفوضية الأفريقية موسى فكي يؤكد فيه أن إنكار الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني- لا سيما حقوقه في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة هو السبب الرئيسي للتوتر الإسرائيلي- الفلسطيني الدائم- فإنَّ التباين لا يزال قائمًا على مستوى الدول، حيث يمكن التمييز بين ثلاث مجموعات:

    • الأولى: مؤيدة لفلسطين، وتقودها جنوب أفريقيا، والتي أكّدت أن سبب الصراع هو الاحتلال غير القانونيّ، وطالبت بحلّ الدولتَين، وفتح ممرّات آمنة، كما ربطت بين حماس كحركة مقاومة وحركة التحرر الوطني في جنوب أفريقيا ضد نظام الفصل العنصري، بل اعتبرت الكنيسة الأنجليكانية الجنوب أفريقية، إسرائيلَ دولة “فصل عنصري”.
    • الثانية: مؤيدة لإسرائيل، وتقودها الكاميرون، غانا، الكونغو الديمقراطية، كينيا، زامبيا، رواندا، لأسباب مختلفة يتعلق معظمها بالرغبة في الحفاظ على علاقات وطيدة مع الولايات المتحدة، وإسرائيل في آن واحد.
    • الثالثة: محايدة، وتضم كلًا من: نيجيريا، السنغال، تنزانيا، رواندا، حيث تطالب بوقف الأعمال العدائية، والحوار وصولًا لحل الدولتين.

    هذه التباينات أيضًا على المستوى الأفريقي، قد تصلح أيضًا لتبرير تأجيل هذه القمة.

    لكن يبقى السؤال: إلى متى سيتم التأجيل! وإلى متى سيظل كلا الجانبين، عاجزًا أو غير راغب في تحقيق مصالح مشتركة، وعرقلة حلم إمكانية الدمج بين الكيانين: العربي والأفريقي في إطار ما يعرف بإطار “الأفرو-عربية”، أو “أفرابيا” الذي دعا إليه العلّامة المسلم الأفريقي الراحل علي مزروعي، الذي يرى أن التقارب بين الجانبين أمر واقع لوجود دول عربية غير أفريقية كاليمن أقرب إلى القارة من دول أفريقية مثل موريشيوس، كما يرى في المقابل أن دول الخليج العربي أقرب إلى أفريقيا منها إلى الدول الآسيوية غير العربية.

    إن حرب غزة، جعلت الدول الداعمة لإسرائيل تتناسى خلافاتها مؤقتًا، وتقف معها صفًا واحدًا، مقابل تباين عربي – عربي ، انعكس على التقارب مع أفريقيا ، ومن ثَم بات التباعد العربي- الأفريقي سيد الموقف، حتى الآن.